فيلم “الدرس” (إنتاج 2014)، هو الفيلم الروائي الطويل الثاني للمخرجين البلغاريين كريستينا غروزيفا، وبيتر فالشانوف بعد فيلمهما “هبوط اضطراري” (انتاج)2010 ، حيث شكلا ثنائيا إخراجيا في عدة أفلام قصيرة ووثائقية، كما إنهما يتشاركان في كتابة سيناريو أفلامهم
ناديجدا، البطلة الرئيسية في فيلم “الدرس” معلمة شابة تُدّرس اللغة الإنجليزية للمرحلة الإبتدائية في قريةبلغارية صغيرة قرب صوفيا، مخلصة في عملها، تؤمن أن التعليم وحده لا يكفي وإنما أيضا هناك التربية، لهذا تحاول أن تزرع في طلابها القيم الإيجابية، وتعلّمهم درساً في الأخلاق. عندما سرق أحدهم نقوداً من حقيبتها، حاولت جاهدة أن تعرف من الفاعل وإعطائه الفرصة لأن يصحح خطأه
ما أن تنهي ناديجدا عملها في المدرسة حتى تباشر عملها الثاني؛ ترجمة الأوراق والوثائق التي تضطر إليه للحصول على نقود كي تسدد سندات رهن بيتها، فزوجها مدمن كحول وعاطل عن العمل، وأكثر من هذا فهو قد فاجأها بصرف النقود المخصصة لسداد الرهن العقاري، فها هم الآن مهددون بأن يلقيهم البنك في الشارع ويبيع بيتهم في المزاد إن لم يسددوا القيمة المتأخرة عليهم خلال ثلاثة أيام. تجد ناد نفسها في وضع حرج مع تأخر دفع نقود العمل الإضافي، فيما آخر ما تبقى لها من نقود في حقيبتها سرقها أحد الطلبة. فما بوسعها أن تعمل الآن في هذا الظرف غير العادي؟ في ظل علاقتها السيئة مع والدها الغني، وغياب الأصدقاء الذين من الممكن اللجوء لهم، لم يتبقَ أمامها من خيارات سريعة سوى اللجوء إلى مرابي لتستدين منه المال المطلوب مقابل فائدة كبيرة، الأمر الذي سيضعها على المحك واختبار قدرتها على الصمود
فيلم “الدرس” ينتقل من حالة البطلة الخاصة ليلامس الحالة العامة لشريحة واسعة من سكان العالم في ظل نظام رأسمالي جشع لا يرحم، وأوضاع إقتصادية سيئة، وعزلة في نظام يكرس الفردية والأنانية، فماذا عسى المرء أن يفعل مع كل هذا وعندما توضع حاجاته الأساسية في الميزان مع أخلاقه، كيف ستكون خياراته؟ وإلى أي مدى سيصمد في المواجهة؟ في “الدرس” يضع المخرجان بعض المفاهيم المتعلقة بالأخلاق على محك التجربة؛ فما الصواب وما الخطأ؟ وما المعيار الأخلاقي؟
“الدرس” فيلم يعري الأساسيات المتعلقة بالضغوط الإقتصادية، واليأس المتعاظم جراء تحكم رأس المال في إستقرار وأمن المواطن العادي، “الدرس” هو ليس الدرس الذي تحاول أن تعلمه ناديجدا لطلابها وحسب، وإنما الدرس القاسي الذي تتعلمه ناديجدا شخصياً في تجربتها الحياتية والذي تضطر خلالها أن تذهب عكس ما تعتقد وعكس الصواب الذي تحاول أن تعلمه إلى طلابها
رشحّ فيلم “الدرس” لأكثر من عشرين جائزة وحاز على ثلاث عشر منها، استحقها المخرجان اللذان قدما سينما إنسانية تلقائية وواقعية بإسلوبها السردي، لم يستخدما الموسيقى التصويرية، وكانت حركة الكاميرا في كثير من الأحيان تصاحب وتلاحق البطلة في رحلتها ومواجهتها بحركة مهتزة، علاوة على الأداء المميز لـمارغيتا غوشهيفا التي لعبت دور البطلة الرئيسية باحترافية عالية
Leave a Reply