بنت العولمة قوتها على تجليات القطبية الواحدة التي استأثرت بالمشهد العالمي، ساعية لتحويله إلى ثقافة أحادية، اصطدمت بالخصوصيات المحلية، وحاولت التأثير في بناها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما نتج عنه خلخلة واسعة، أفرزت أشكالا عديدة من التشوهات داخل المجتمعات، خصوصا التي لا تقوى على المجابهة.

تلك التشوهات، قد يعدها آخرون أطوارا من التحولات الجديدة التي لا بد أن تتخذ شكلا معينا في نهاية المطاف، وهي بذلك لا تخرج عن التصور الغربي الإمبريالي لمفهوم “الفوضى الخلاقة”، التي يعولون عليها لتحويل المجتمعات أو القوى أو الأنظمة “الخارجة عن السيطرة”، إلى مجتمعات متآلفة مع الفكرة الغربية التي تنظر إلى العالم على أنه سوق واسعة لتصريف البضائع والأسلحة والتجارب على اختلافها.

لكن ظاهرة العولمة وما ارتبط بها من تمظهرات، وما أفرزته من أشكال جديدة في مجالات الاقتصاد والأعمال والإعلام، وغيرها، أحدثت تغييرات جوهرية في البنى الاجتماعية والثقافية والفكرية لدى كثير من المجتمعات، خصوصا تلك التي لم تكن تمتلك حصانة من طوفان الأفكار الجديدة التي تم التسويق لها باعتبارها متأتية من نظرية عالمية جديدة ستطيح بسابقاتها.
في هذا الأطار، بدأت تصدعات عديدة تظهر في كثير من البلدان، وبدأت مجتمعات تميل إلى العودة للروابط البدائية، باحثة عن هويات تجعلها تشعر بالانتماء، وتحقق لها الأمن في ظل صعود النزاعات، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.

مفكرون كثر ربطوا صعود ظاهرة العولمة وما أحدثته من تغييرات في مجتمعات كانت ساكنة، وبين “تخلخل” هوية تلك المجتمعات، لكن مفكرين آخرين لم يستبعدوا “نظرية المؤامرة”، واستهداف مجتمعات بعينها من قبل ما يسمونه “الغرب الإمبريالي” الذي سعى إلى استغلال الهشاشة السياسية وعدم العدالة واللامساواة، ليعلي من شأن كثير من التناقضات فيها، خصوصا ما يتعلق بالأبعاد الطائفية والعرقية والقومية.
في هذا السياق، تأتي محاضرة المفكر الأردني الدكتور هشام غصيب، الذي يستند على فكر ماركسي صلب، في مواجهة التنظيرات القائلة بموت الماركسية، ويتعدى ذلك إلى رفض حتمية سيادة الليبرالية المتوحشة.

أصدقاء منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، كونوا معنا في السادسة والنصف من مساء الإثنين 7 آب (أغسطس) 2017، في محاضرة المفكر الأردني د. هشام غصيب بعنوان “العولمة وأثرها على مفهوم الهوية”، يقدمه فيها ويدير الحوار مع الجمهور د. ماهر الصراف.

*الدعوة عامة